استهلاك البيض يحمي من الخرف
بقلم أ.د صلاح مهدي حسن:أستشاري وخبير صحة وأنتاج دواجن
يتم تعريف الخرف عادة على أنه تدهور إدراكي تدريجي يؤثر على مجالات معرفية متعددة مما يؤدي إلى انخفاض في الاستقلالية والوظائف اليومية. ويعتبر مرض الزهايمر (AD) السبب الأكثر شيوعًا للخرف، والذي يمثل 60-70٪ من الحالات.
يختلف انتشار الخرف عبر المناطق الجغرافية، وعلى الرغم من أنه يتزايد بشكل عام باستمرار بسبب شيخوخة السكان. فهو يؤثر حاليا” على حياة ما يقرب من 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 152 مليونًا بحلول عام 2050. لا يوجد حتى الآن علاج فعال للخرف وبالتالي فإن الوقاية الأولية هي الاستراتيجية الأكثر فعالية للحد من معدلات الإصابة بالمرض.
يتمتع البيض بأهمية غذائية خاصة، لأنه غني بالأحماض الأمينية الأساسية، والأحماض الدهنية غير المشبعة، وجميع فيتامينات ب، والفولات، والفيتامينات الذائبة في الدهون، والمعادن، مثل الفوسفور والسيلينيوم والحديد واليود، فضلا عن الزنك. كما و يعد البيض مصدرًا متاحًا على نطاق واسع للمركبات الفاعلة حيويا”، مثل الكولين واللوتين والزياكسانثين وغيرها من العناصر الغذائية الأساسية، والتي قد يكون لها تأثير إيجابي على الصحة، وخاصة على الإدراك.
ومن جانب آخر، يعد صفار البيض مصدرًا رئيسيًا للكوليسترول الغذائي . وحيث أن فرط كوليستيرول الدم يعد عامل خطر للأمراض التنكسية العصبية، الا أن الكوليسترول المتوافر في البيض لا يتمتع بقابلية أمتصاص جيدة وبالتالي لا يؤثر بشكل رئيسي على مستوياته في الدم. هناك عدد كبير من الدراسات العلمية المستقبلية أشارت وبعد تحليل شامل حديث إلى أنه لا يوجد أي ارتباط بين استهلاك البيض والعديد من الحالات الصحية، مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الآيض الغذائي .
من أهم الحقائق المعروفة هو أن مكونات البيضة قد تكون لها تأثيرات وقائية محتملة للجهاز العصبي . وعليه تم أجراء البحوث العلمية في اسبانيا العام 2022 حول العلاقة بين استهلاك البيض و خطر الإصابة بحالات الخرف لدى سكان البحر الأبيض المتوسط
أجريت هذه الدراسة في 3 مراكز تابعة لما يعرف بالتحقيق الأوروبي المستقبلي في السرطان والتغذية ( the European Prospective Investigation into Cancer and Nutrition (EPIC) ) ، مجموعة الخرف في أسبانيا ، وشملت الدراسة على عدد 25015 مشاركا” تراوحت أعمارهم بين 30- 70 عاما” وتم التحاقهم في الدراسة خلال الأعوام 1992-1996 وأستمرت متابعتهم على فترة زمنية بمعدل ( 21 سنة ونصف السنة) . ومن النتائج التي حصلت عليها هذه الدراسة هو التشخيص 774 حالة خرف ، ومن هذه الحالات تم تشخيص 518 حالة أصابة بمرض الزهايمر. والبيانات حول أستهلاك البيض كانت بشكل استبيان عن البرنامج الغذائي للمشاركين والمتبع عند التحاقهم بالدراسة. وبعد أجراء التحليل الأحصائي للبيانات لم يلاحظ وجود علاقة أو أرتباط بين أستهلاك البيض وظهور حالات الخرف ، فضلا عن ذات النتيجة بالنسبة للأصابة بمرض الزهايمر.
وبعد تقسيم المشاركين على المستويات الثلاث لمقياس النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط ( relative Mediterranean diet (rMED) score) وهو مقياس يعتمد على ( 8-9 نقاط ) لتحديد مستوى أتباع النظام الغذائي. ( nutritionovereasy.com/2014/05/calculate-your-mediterranean-diet-score/ ). بينت الدراسة بأن هناك علاقة عكسية على الحد بين أستهلاك البيض ومخاطر الأصابة بحالات الخرف الكلي والأصابة بمرض الألزهايمر خصوصا” عند الأفراد الأقل التزاما” بالنظام الغذائي rMED . بينما لم تلاحظ تلك العلاقة مع الأفراد الأكثر التزاما” أو المستوى الوسط التزاما” بذلك النظام الغذائي.
ولاحظت دراسة سابقة في الهند اجريت العام 2012 بأن هناك علاقة عكسية بين أستهلاك البيض والتدهور المعرفي ( cognitive decline ) ( راجع البحث رقم-3 )، بينما الدراسة التي أجريت في فنلندا العام 2017 لم يتم العثور على ارتباط بين استهلاك البيض و خطر الأصابة بالخرف ( راجع البحث رقم -4 ).
تشيردراسة حديثة عن البيض نشرت في مجلة التغذية ( J Nutr ) في تموز العام 2024 عن وجود علاقة كبيرة بين استهلاك البيض وانخفاض خطر الإصابة بخرف الزهايمر لدى كبار السن ( راجع بحث رقم -5 ). وتأتي هذه النتائج في وقت حرج، حيث من المتوقع أن يرتفع معدل انتشار مرض الزهايمر مع بلوغ المواطنين سن الشيخوخة.
أفادت الدراسة، التي شملت كبار السن الذين يعيشون في المجتمع الأمريكي ، والذين لا يعانون من الخرف الواضح، من مجموعة Rush Memory and Aging Project، أن الاستهلاك الأسبوعي للبيض (أكثر من بيضة واحدة في الأسبوع) ارتبط بانخفاض خطر الإصابة بخرف الزهايمر بنسبة 47٪ ، وشملت الدراسة 1024 من كبار السن بمتوسط عمر 81,4 سنة. تم الإبلاغ عن العادات الغذائية للمشاركين ذاتيًا وتم أخذ العوامل الغذائية الأخرى في الاعتبار كجزء من التحليل وعلى مدار فترة متابعة متوسطة تبلغ 6,7 سنوات. و تم تشخيص إصابة 280 مشاركًا (27.3%) أثناء فترة الدراسة بمرض الزهايمر.
وأفاد الباحثون أن الكولين الغذائي كان المحرك الرئيسي للعلاقة بين البيض وانخفاض خطر الإصابة بخرف الزهايمر، وهو ما يمثل 39% من الارتباط. وتحتوي بيضة واحدة كبيرة على 150 ملليجرام من الكولين، مما يوفر 25% من القيمة اليومية الموصى بها. يعتبر الكولين عنصر أساسي في النظام الغذائي البشري وهو مهم للعمل الطبيعي لجميع الخلايا. وبالتالي يمكن للأمكانيات الكبيرة للكولين أن يعمل كمحور غذائي للأداء البشري. هناك العديد من الآليات التي يعمل بها الكولين كمحور:
1- تخليق الأسيتيل كولين ( Acetylcholine synthesis ) يتأثر بمدى توفر الكولين. والأسيتيل كولين يعتبر ناقل عصبي ( neurotransmitter ) مهم يتحكم في الوظائف العصبية المتنوعة مثل الذاكرة والتحكم في وظيفة العضلات.
2- تعتبر الدهون الفوسفاتية الكولينية (. Choline-phospholipids ) من المكونات الهيكلية المهمة للغاية للخلايا وهي ضرورية لمعالجة الدهون الغذائية. فضلا عن ، بدأ الباحثون يدركون أن الدهون الفوسفاتية الكولينية تعمل أيضًا كمحولات للإشارات من الجزء الخارجي للخلايا إلى النواة. وهذه الآلية يبدو أنها مهمة للغاية وموزعة على نطاق واسع لدرجة أن التلاعب بها بواسطة تغيير النظام الغذائي من المرجح أن تكون أداة قوية لتحسين الأداء البشري.
يوجد الكولين بشكل ما في جميع الخلايا، وفي الغالب يكون كواحد من فوسفاتيديل الدهون الفوسفاتية الكولينية (choline-phospholipids phosphatidylcholine )، أو ليسوفوسفاتيديل كولين (lysophosphatidylcholine ) ، أو بلازمالوجين الكولين (choline plasmalogen ) ، أو عامل تنشيط الصفائح الدموية، أو السفينغوميلين (sphingomyelin ). أن جميع هذه الأشكال هي مكونات أساسية لجميع الأغشية . أن أهمية الكولين الغذائية يبدو أنها ترسخت للمرة الأولى من خلال العمل الرائد على الأنسولين عندما تم التعرف على العلاقة بين اتباع نظام غذائي منخفض الكولين وأرتشاح الدهون في الكبد. ولذلك تم أطلاق مصطلح مقوي الدهون ( lipotropic ) لوصف الكولين والمواد الأخرى التي تمنع ترسب الدهون في الكبد و لفترة زمنية محددة، كان الكولين يعتبر عنصرًا غذائيًا يمكن الاستغناء عنه في النظام الغذائي للبشر نظرًا لوجود الية داخلية للتخليق الحيوي لجزء الكولين. فضلا عن ، يتم تحوير الحاجة للكولين من خلال معدل نمو الفرد والعلاقات المتبادلة المعقدة بين الكولين والمواد المغذية مثل الميثيونين وحمض الفوليك وفيتامين ب 12lipotropes) ). من المعروف سابقا” أن الخلايا البشرية المزروعة في أوساط الزرع النسيجي تكون بحاجة مطلقة للكولين. وأثبتت الدراسات اللاحقة أهمية الكولين كعنصر غذائي أساسي للإنسان الطبيعي عندما لا يتوفر الميثيونين بشكل مفرط عن الحاجة.
البيض هو واحد من الأطعمة القليلة التي يتم استهلاكها بشكل شائع والغنية بشكل طبيعي بالكولين، وهو عنصر غذائي يعمل الباحثون على دراسته لفهم دوره بشكل أكبر في دعم النمو المعرفي عند الرضع والأطفال الصغار والحفاظ عليه أثناء عملية الشيخوخة. وعليه فأن هذه الدراسة تعتبر أضافة معرفية إلى مجموعة الأدلة المتزايدة على أن الخيارات الغذائية يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الحد من خطر الإصابة بخرف الزهايمر ودعم الصحة المعرفية مدى الحياة.
أعتمدت هذه الدراسة على أبحاث سابقة، والتي وجدت أن حتى استهلاك البيض المحدود (حوالي بيضة واحدة في الأسبوع) كان مرتبطًا بمعدل أبطأ لتدهور الذاكرة مقارنة بأولئك الذين لم يتناولوا البيض. الا أنه يبدو أن هذه هي المرة الأولى التي تشير فيها دراسة بحثية إلى وجود علاقة بين استهلاك البيض وخطر الإصابة بمرض الزهايمر، وتسلط الضوء على إمكانات التدخلات الغذائية البسيطة في دعم صحة الدماغ الطبيعية. كما وأن هذه الدراسة المهمة يبدو أنها تتناغم مع واقع الحال الأمريكي الذي تشير بياناته العلمية أن شخص واحد من كل 10 أمريكيين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا حاليًا يعانون من التدهور المعرفي الذاتي، وهناك تقارير علمية تشير الى أنه بحلول عام 2030، قد يرتفع عدد الأشخاص الذين يبلغون من العمر 65 عامًا أو أكثر والمصابين بخرف الزهايمر إلى 12,7 مليونًا.
النتائج مشجعة ولكن هناك قيود يجب مراعاتها، من حيث أن خرف الزهايمر هو اضطراب معقد. في الوقت التي تُظهر به بيانات هذه الدراسة ارتباطًا بانخفاض خطر الإصابة بخرف الزهايمر الا أنها لا تحدد السبب والنتيجة. اعتمدت هذه الدراسة على البيانات الغذائية التي سجلها المشاركون بأنفسهم، والتي من الممكن أن تشوبها معلومات مغلوطة. وبالتالي هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد هذه العلاقات في مجموعات سكانية متنوعة أخرى.
Discussion about this post